لقد أثير هذا السؤالُ مرّةً تلوَ الأخرى على مرّ التاريخ. لنفترض أنّ الله الجيّد القادرَ على كلّ شيء موجودٌ، فلماذا يسمح إذن بالحرب، بالمجاعة، بالقتل وبمآسٍ حياتية أخرى؟ أليس لديه القدرة على منع أو حتّى القضاء على كلّ الشّر في العالَم؟
الكتاب المقدّس لا يُجيب عن هذا السؤال مباشرة. ومع ذلك، فإنّه يُخبرنا أن سبب الكثير من المعاناة في العالَم هو الإنسان نفسُه، نتيجةً لخيارات يتّخذها خارجَ إرادته الحرّة. إنّ الحرب والعنف والزنا وحالاتٍ مؤلمةً جدّا، هي في الحقيقة بسبب الإنسان. لا نستطيع إلقاءَ اللوم على الله بسبب خياراتنا السيّئة. عِوضًا عن ذلك، علينا أن نُلقي نظرة على أنفسنا في المرآة.
في هذا العالَم، على كلّ حال، هناك الكثير من المعاناة التي لم يُسبّبها الإنسان، مثل الكثير من الأمراض والكوارث الطبيعية. لماذا لا يمنَع الله تلك من الحدوث؟ إلى حدٍّ ما، يبقى هذا لُغزًا بالنسبة لنا. مع ذلك يبدو، أنّ الله يستخدم المصاعب وظروفَ الحياة ليدعونا إليه. لعلّ أحدَ أسباب المعاناة هو تذكيرُنا بمدى حجمنا الصغير، وهكذا ليُشجّعَنا على التوجّه نحو الله. من ناحية أخرى، فإن المعاناة تُقرّب الناسَ من بعضهمِ البعض، وهي مشيئة الله في أنّنا نمُدّ يد العون للمحتاجين.
إنّ عزاءنا وأملنا في وَسَط المعاناة هو المسيح، الذي هزم الخطيئة والموتَ من خلال تضحيته النهائية وموته على الصليب.
”الربُّ قريبٌ من منكَسِري القلوب، ويُخلِّص المُنسَحقين في الروح". (سفر المزامير ٣٤: ١٩)
صلاة: يا الله، إنّ كلّ الشرّ والمعاناةَ في هذا العالَم مصدرا همّ وغمّ لي. يا ربّ نجّنا من الشرّير!
الكتاب المقدّس لا يُخبرنا كلّ شيء، إنّه يروي لنا ما هو الأمر الحاسمُ لخلاص البشرية. أصل الشرّ هو واحد من تلك المواضيع التي نادرًا ما تمّ التطرّق إليها في الكتاب المقدّس.
تكشِف الفصول الأولى من الكتاب المقدّس، أنّه في البداية كان للإنسان حرية الاختيار بين الحقّ والباطل. العالَم والإنسان فيه خٌلقا بشكل جيّد، إلّا أنّ الإنسانَ قد خدعه الشيطانُ فاختار عمل الشرّ. ويُخبرنا الكتاب المقدّس، بأنّ الله قد خلق الشيطان أيضًا- الشيطان كان في الأصل ملاكًا وتمرّد ضدّ الله. إنّه الشيطان الذي أغرى الإنسان للقيام بما كان ضدّ إرادة الله، وهكذا انتشر الشرّ على وجه الأرض.
لماذا سمح الله الخيِّرُ للشرّ أن يعُمّ في هذه الدنيا، هذا الأمر سيبقى لُغزا بالنسبة لنا. الواضح، على كلّ حال، هو أنّ الله قد هزم الشيطان وقوّتَه، عندما وُلد كإنسان على الأرض، ومات على الصليب من أجل خطايانا. الإنسان الأوّل، ونتيجة لذلك البشرية جمعاء، أصبحا عبيدًا للخطية، حينَما اختارا الشرَّ بدلًا من الخير. هكذا خسِرنا إرادتنا الحرّة. جاء المسيح ليحرّرنا من قبضة الخطيئة. من خلال يسوعَ المسيح فقط، يُمكننا أن نكون أحرارًا في العيش وَفق مشيئة الله وهديه.
”فأجابهم يسوع: الحقَّ الحقَّ أقول لكم: مَن يَخطَأْ كان عبدًا للخطيئة، والعبد لا يُقيم في البيت إلى الأبد، بلِ الابنُ يقيم إلى الأبد. فإذا حرّركُمُ الابنُ، صِرتُم بالحقيقة أحرارا.“ ( انجيل يوحنا ٨: ٣٤-٣٦)
صلاة: يا ربّ، إنّك لا تُجيب عن جميع أسئلتنا. ساعِدْني حتى لا أشعر بالإهانة والمذلّة من ذلك، لكن مكِّني بدلًا عن ذلك على التركيز على ما تقوله لنا من خلال كلمتك.“
يُمكن وصف الخطيئة في عدّة طرق، إنّها عندما تتمرّد أفكارُنا وكلماتُنا وأعمالُنا، وتبتعد عمّا هو الصواب في نظر الله. القاسِم المشترك بين كلّ الخطايا هو أنّ الخطيئة تأخذُنا رويدًا رويدًا خارجَ حياة الله ومقاصده. باختصار، تكون الخطيئة عندما يهجُر القلبُ اللهَ ويتخلّى عنه.
المصطلح ”الخطيئة الأصلية“ يُشير إلى ميل ونزعة لدى جميع البشر في اختيار الخطأ. ويُعرف الخطأ من ثماره: أفكار شرّيرة، إرتكاب الأخطاء، كلمات هدّامة والابتعاد عن عمل الصواب.
الخطيئة تضُرّ بالحياة وتدمِّرُها، حياتك أنت وحيوات أناس آخرين بمثابة أمثلة على ذلك. كلمة الله والوصايا العشْر تكون المِقياسَ لمعرفة أين يقف الناس في الواقع.
على ضَوء الكتاب المقدّس، الكلّ قد أخطأ. لا أحدَ منّا بلا خطيئة، ولا أحد بوُسعه الهروب من عواقب الخطيئة. الخطيئة تفصِلنا عن الله وعن قداسته. عواقب الخطيئة الموتُ والانفصال الأبدي عن الله. ومع ذلك، لا يستطيع الإنسان تخليصَ نفسه ولكن الله وحده قادر على ذلك.
”فهو يُبرِّرُهم بالإيمان بيسوعَ المسيح: ولا فرقَ بين البشر. فهم كلُّهم خَطِئوا وحُرموا مجدَ الله. ولكنّ اللهَ برّرهم مجّانًا بنعمته بالمسيح يسوعَ الذي افتداهم“ . (رومة ٣: ٢٢-٢٤)
الله أرسل ابنه الوحيدَ ليموتَ على الصليب من أجل خطايانا، منذ ألفَي سنة تقريبا. وهو مُسَمَّرٌ على الصليب، حمَل يسوع المسيح أنانيتَنا، عدم الإيمان، الجشع، عدم الأمانة وكل واحدة من خطايانا. لقد تمّ غفران خطايانا عندما أقام الله ابنَه من بين الأموات.
عندما نؤمن بأنّ يسوع قد مات على الصليب من أجل خطايانا، وهكذا حرّرننا، فإنّ خطايانا قد غُفِرت. إنّها عطيّة مجـّانية مُنحت لنا. نستطيع أن نأتيَ كما نحن، خُطاة وبعيدون عن مستوى الله. الأمر ليس متعلِّقًا بما نقوم به؛ يُمكننا وببساطة أن نتقبّل نعمة الله التي يُعطيها لنا بسهولة ويُسر. عرف الله أنّه لم يكن هناك شيء يُمكننا عملُه لنيل الخلاص والافتداء؛ ولذلك افتدانا.
بفضل يسوعَ المسيح، يُمكنك الاعتقاد بأنّ كلّ خطاياك مغفورة. لا يهُمّ ما شكلُك، أو ما قد فعلت، تستطيع أن تكون واثقًا بأنّ خطاياك قد غفرها يسوع المسيح. أعمالنا الصالحة أو الإنجازات، لا تعني شيئًا بالنسبة لله - إنّنا نِلنا الخلاصَ عن طريق يسوعَ المسيح فقط.
”أي إنّ الله صالحَ العالَم مع نفسه في المسيح وما حاسبهم على زلّاتهم، وعهِد إلينا أن نُعلن هذه المصالحة... لأنّ الذي ما عرَف الخطيئة جعله الله خطيئة من أجلنا لنصيرَ به أبرارًا عند الله“. (كورنثوس الثانية ٥: ١٩،
٢١).
صلاة: أيّها الربّ العزيز، أشكرُك على رسالة الصليب، وأشكرُك لأنّ يسوع المسيح قد غفر خطاياي
مِنَ الصعب على الإنسان فهمُ مدى خطورة سلطان الخطيئة. ما كُنّا حتّى لنفكّر عن مثل هذه الأسئلة، لو كنّا حقًّا نعي كيف أنّ الخطيئة تُدمِّر الحياة.
إنّ الخطيئة تفصِلنا عن الله، واهب الحياة ومخلِّصنا. لماذا نفكِّر حتّى في التمرّد ضدّه؟ إنّه الوحيد الذي يُحبُّ دون قيد أو شرط، وقدّم ذُرْوةَ التضحية من أجلنا.
الخطيئة تضُرّ بالخاطئ وبالناس المحيطين به. إذا كنت ترتكب اثمًا عن سابق معرفة، فهذا يعني في الواقع تسميرَ يسوع المسيح ثانيةً على الصليب. يسوع المسيح مات بسبب أنانية وعصيان الإنسان! لو كنتَ تُدرك ثمنَ غفران خطاياك وما تكبّد يسوع المسيح من أجلك، لما اخترت اقترافَ الخطايا والآثام.
إنّ الخطيئة جريمةٌ دائمة ضدّ الحياة نفسها، حتى لو لم نستطع رؤيتَها. للخطيئة دائمًا عواقبُها، إمّا بالنسبة للشخص المخطئ، وإمّا للناس من حوله.
إنّ ارتكابَ الخطيئة عن سابق معرفة واختيار لوصمةُ عار في ضميرك، وسُرعانَ ما يدَع ذلك مجالًا للكُفر. في المعمودية، ينتقل المسيحيّ من الظلمة إلى النور، وبعون الله يُدعى لمحاربة الخطيئة والشرّ.
”بالإيمان والضمير السليم الذي رفضه بعضُهم، فانكسرت سفينةُ إيمانهم“. (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس ١: ١٩)
صلاة: يا الله، إحفظني من الخطيئة ومن كلّ الشرّ. أَرشِدني لتكون أفعالي وحياتي مَرْضاةً لك .
طالما يسأل الإنسانُ في قلبه ”هل يُغفر لي مع ذلك؟“، فإنّ بابَ نعمة الله يبقى مفتوحا. وطالما أن الخطيئة تُسبّب لنا الحزنَ والاكتئاب، فبمقدورنا التوجّه نحو الله من أجل المغفرة.
قد نفكّر، في بعض الأحيان، بأنّ نعمةَ الله غيرُ كافية لنا. نظنّ أنّ الخطايا التي ارتكبناها كثيرةٌ وفظيعة جدًّا، ولا يمكن أن تُغتَفر. تلك هي الأفكار التي يهمِس بها الشيطان ويُوَسْوس في آذانِنا. الشيطان يريد أن يُبعدَنا عن الله. صحيح أنّنا لا نستطيع تغييرَ ما قد تمّ فعلُه، ولكنّ نعمة َ الله كافيةٌ وتشمُل جميع خطايانا وذنوبنا. يُمكننا أن نثِق بكلّ صدق وإخلاص بمغفرة الله.
نحن خُطاة، ولذلك فإننا نسقُط مرّةً تلوَ الأخرى، ولكنّ اللهَ يغفِر أيضًا مِرارًا وتِكرارا. من خلال قوّة المغفرة يمنحُنا الله المقدرة على محاربة الخطيئة. الخطيئة عدُوّ فتّاك، ونحن سنستمرُّ في محاربتها ومقاومتها حتّى موتنا.
”رأْفةُ الربّ لا تنقطِع ومراحمُه أبدًا لا تزول. هي جديدة كلَّ صباح، فما أعظمَ أمانتَكَ! … الربّ صالحٌ لمن ينتظِرُه، للنفس التي تشتاقُه“ (مراثي إرميا ٣: ٢٢-٢٣، ٢٥).
صلاة: يا الله، قيل إنَّ مراحمَك تدوم إلى الأبد. أشكُرُك، لأنّني أستطيع أن أثِق في كلمتك. طَهِّرْني وساعِدْني في فتح صفحة جديدة.
الغفران لشخص قد يكون صعبًا جدًّا، إن لم يكن مستحيلا. ومع ذلك، فإنّ الكتاب المقدّس يقول لنا، بأن نطلب المغفرة وأن نغفِر للآخرين على حدٍّ سَواء. في الواقع، لقد ورد في الكتاب المقدّس أنّه إذا كنّا لا نغفر للآخرين فلن يُغفرَ لنا أيضا. وهكذا، ما علينا أن نقوم به، عندما تنخُر عدم المسامحة والمرارة في أعماق قلوبنا؟
بادىء ذي بَدْء، من المهمّ أن نعترف لله بخطيئتنا. نأتي بهذا الأمر إلى الله، ونقول إنّنا لا نستطيع المسامحة والغفران، ولكن من خلال يسوعَ المسيح بمقدورنا الاعتقاد بأنّ ذلك سيُغفر.
وفي الوقت ذاته، نطلب من الله أن يعمل بنعمته فينا، ويساعدَنا على تقديم المسامحة والمغفرة. بنعمة الله فقط، يُمكن للجروح الغائرة العميقة أن تلتئم وتُشفى. كما أنّ الحديثَ مع قِسّيسك، أو مع أيّ شخص تثقُ به، أو معَ الشخص الذي آذاك سيكون ذا فائدة ومبعث راحة.
الغفران هو قرارٌ نتّخذُه نحن. على المستوى العاطفي، على كلّ حال، قد يكون أحيانًا عمليةً مُطوَّلة. إذ في بعض الأحيان، قد تستغرق سنواتٍ، قبل أن نتمكّن من تخليص أنفسنا من الشعور بالمرارة. من الأهمية بمكان، النأيُ عن الانتقام.
”وليكن بعضُكم لبعض مُلاطفًا رحيمًا غافرًا كما غفَر الله لكم في المسيح .“ (أفسس ٤ : ٣٢).
صلاة: أيّها الربّ الرؤوف، أنت تعرف كلَّ شيء عنّي وفِيّ، إحفظ قلبي من الصلابة والمرارة.
يتحدّث الكتاب المقدّس عن الشيطان، ولكن نادرًا ما يكون ذلك مباشرة. إنّه لا يُساوي اللهَ الخيِّر كقوّة معاكسة وهو من خلْق الله. يبدو أنّ السبب في طبيعة الشيطان الشرّيرة، هو نفس السبب الذي أدّى إلى سقوط البشرية: الكِبْرياء، والرغبة في أن يكون على قدم المساواة مع الله. وبما أنّ لله إرادةً حسنة وكاملة إزاء خليقته، فإنّ السيرَ ضدّ تلك الإرادة هو الشرّ المحض. وعليه فالشيطان تجسيدٌ للكفر والإلحاد، ولكل شيء يُعارض الله (بالرغم من أنّه ليس كائنًا ذا جسد).
كيف يعمل الشيطان؟ يُعلّمنا الكتاب المقدّس بأنّه يعمل في أوساط ”الناس العُصاة“. وإذا كّنّا لا نتبَع مشيئة الله، فإنّنا نسير وَفق إرادة عدُوّ الله، وهكذا نكون تحت سلطان الشيطان. ومع ذلك، يُمكننا تغيير الوضع بواسطة الاعتراف بيسوعَ المسيح، ربًّا ومخلّصًا لنا.
”تسلَّحوا بسلاح الله الكامل لتقدِروا أن تُقاوموا مكايدَ إبليس. فنحن لا نُحارب أعداءً من لحم ودم، بل أصحابَ الرئاسة والسلطان والسيادة على هذا العالَم، عالَم الظلام والأرواح الشرّيرة في الأجواء السماوية “. (أفسُس ٦: ١١-١٢)