أحد أسرار الديانة المسيحية هو كيفية فهمها وإدراكها لله. هناك إله واحد بثلاثة أقانيمَ، أشخاص: الآب والابن والروح القدُس. ولكلّ واحد من هذه الأقانيم الثلاثة رسالتُه الخاصّة. الآب خلق العالَم ويحافظ عليه. الابن يولد كإنسان من لحم ودم، وينقذ العالَم من خطيئته. الروح القدس يُوقظ ويبني الثقة في الإنسان. ولذلك علينا، في الواقع، طرح السؤال: ”مَن هو الروح القدس؟“. لأنّ الروح القدس هو الشخص الثالث في الله وليس قوّة ما مجهولة المصدر.
الروح القدس يعمل قبل كلّ شيء بين الناس، من أجل إيقاظ وتقوية إيمان الشخص بيسوعَ المسيح. إنّه يعمل من خلال النعمة، كلمة الله، المعمودية، القربان المقدس، والاعتراف بالخطايا. هذه هي وسائلُ الروح القدس.
ويسوع المسيح دعا الروح القدس باسم ”روح الحقّ“ و ”المدافِع“. وروح الحقّ أو الروح القدُس قد أرشد كُتّاب الكتاب المقدس لكتابته وَفق إرادة الله، بالنسبة لنا فإنّه يمنحُنا الفهمَ عندما نقرأ في الكتاب المقدس. وكمدافِع إنّه يؤكّد لنا ولقلوبنا بأنّ الله رحيمٌ بنا من خلال يسوع المسيح، على الرغم من أنّنا قد سقطنا واستحققنا العقاب.
والروح القُدُس يخلُق في المؤمنين حياةً تسير على هدْي مشيئة الخالق. كما أنّه يمنح هباتٍ روحيّةً أيضًا من أجل بناء الرعيّة، جماعة المصلّين والكنيسة.
”ومتى جاء المعزِّي الذي أُرسلُه إليكم من الآب، روحُ الحقّ المُنبثقُ من الآب، فهو يشهَدُ لي“.
(إنجيل يوحنا ١٥: ٢٦)
الروح القدس يُمكن أن يسكنَ في الإنسان، وفي الحقيقة كلّ مؤمن بيسوعَ المسيح يملِك الروح القدس ــ إذ أنّه بدون الروح القدس لا يمكن للمرء أن يؤمن حتّى. أحد الأمور الغامضة والعصيّة على الفهم في المسيحية، هو أنّ الله القادرَ على كلّ شيء، يريد أن يسكُن في قلب إنسانٍ صغير وخاطىء.
ويحُلُّ الروح القدس بقلب الإنسان من خلال كلمة الله والسرِّيْن، المعمودية والقربان المقدّس. بواسطة استخدام وسائل النعمة هذه، يخلُق الروح القدسُ في قلب الإنسان إيمانًا خلاصيًّا بيسوعَ المسيح، ويجعله أَحدَ أبناء الله. مع هذا، فإنّ ابنَ الله قد يُحزِن الروحَ القدس بعصيانه، ويقع ثانيةً في الكفر والإلحاد. ولذلك يحذِّر الكتاب المقدس من القسوة والارتداد عن الدين، ويدعونا ويحُضُّنا على العودة إلى المخلّص الوحيد.
”أما أنتم فلا تسلُكون سبيلَ الجسد، بل سبيلَ الروح، لأنّ روحَ الله يسكُن
فيكم. ومن لا يكون له روحُ المسيح، فما هو من المسيح“ (رومة ٨: ٩)
عندما زعم العلماءُ أنّ يسوع المسيحَ كان يعمل من خلال قوّة الشيطان، حذّرهم يسوعُ بعدم التجديف على الروح القُدُس. وهذا السبّ والتجديف بمثابة معارضة متعّمدة لعمل الروح القدس. وهناك في العهد الجديد تحذيرات وتنبيهات مماثلة أيضا. الرسالة إلى العبرانيين، تتحدّث عن ارتكاب خطيئة عن قصد، وهذا يؤدّي إلى انفصال دائم عن الله. الخطيئة في هذا السياق لا تشمل أيّة خطيئة كانت، بل خطيئة الكفر، أي الإنكار المتعمّد للإيمان.
يجب ألّا نفهم كلماتِ يسوع المسيح والرسالة إلى العبرانيين بأنّهما بمثابة إدانة لأحد، بل كتحذير موجّهٍ لأولائك الذين لم يقترفوا بعد هذه الخطيئة التي لا رجْعة فيها. ومن المهمّ أن نتذكّر أنّ بابَ الله مفتوحٌ، طالما أن أخبار يسوع المسيح السارّة مُعلَنة. مشكلة المذنِب بالتجديف على الروح القُدُس، ليست في ما إذا كان الله سيغفِر له أم لا، بل عدم رغبته في العودة إلى الله - لقد تصلّب القلبُ وقسا. لذلك كلُّ من يخشى بأنّه قد ارتكب خطيئة لا رَجْعةَ فيها، يستطيع أن يكون متأكِّدًا أنّه لم يقترفها بعدُ، لأنّ التوبةَ علامةٌ على أنّ القلبَ ما زال يُصغي إلى نداء الله ودعوته.
”ومَن قال كلمةً على ابن الإنسان يُغفَرُ له، وأمّا مَن قال على الروح القُدُس فلن يُغفَرَ له، لا في هذه الدنيا ولا
في الآخِرة.“ ( متى ١٢: ٣٢)