إنجيل يوحنا اصحاح ٩ - مَن هو الأعمى؟
يتبعُ الأصحاح التاسعُ المبنى الذى غدا مألوفًا لنا. يوحنّا يسرُد لنا قصّةَ أعجوبةٍ أوّلا، ولكن خلافًا للبشيرين الثلاثة السابقين، لا يستمرّ على الفور بإعطاء تقرير عنِ الحدث التالي. بدلًا من ذلك، فإنّه يشرح المعنى الروحيَّ للحدث. تدور أُعجوبة يسوعَ الراهنةُ حولَ شِفاء رجلٍ أعمى، وتتمّة الأصحاح تتناول العمى الروحيّ.
منِ الذي ينبغي لومُه؟ ٩: ١-٧
كانتِ الفكرة اليهودية السائدةُ تقول إنّ سببَ المرض والمحنة، كان دائمًا تقريبًا عقابَ خطيئةٍ أنزلها الله على الخاطئ. مع أخذ هذا الرأي بعين الاعتبار، فإنّ أولئك الذين وُلدوا أكفّاء قد شكّلوا مُعضلة لاهوتية مشوّقة: لخطيئة مَن كان عليهم أن يُعانوا، أَلخطيئةِ أنفسهم أم لخطيئة شخصٍ آخرَ؟ وأوضح الحاخامات أن عيسو أخطأ حتّى في رحْم أمّه، وبالتالي جرّ على نفسه غضبَ الله. ومن الناحية الأخرى، إذا عبَد الآباءُ آلهةً كاذبة فإنّ الجنين قد شارك في الوثنية حتّى في رَحم أمّه.
ماذا يقول يسوعُ عن سبب المعاناة؟ في هذه المرحلة وببساطة لا يفحَص يسوع مسألةَ الخطيئة وعقابَها (أنظر ٥: ١٤)، وعلى ما يبدو، لا يُمكن استخدام هذه الفقرة في حلّ هذه المسألة. ما حدث هو حالة خاصّة كان من المفروض أن تتجلّى فيها عظَمة الله. بعد ذلك، نصل للنظر إلى الكلمات ”الظلام“ و”النور“ (أو ”الليل“ و ”النهار“) وعلاقتها بـ ”الرؤية“ و”العَمَى“. وعلى الرغم من معرفته أنّه يُخاطر بحياته (طبعًا بسبب السبت ثانية)، يبدأ يسوعُ بشِفاء الرجُل الضرير. اليوم قصيرٌ ويتطلّب عملًا دؤوبا. ولكن نُبوءة أخرى في إشعياء ٣٥ قد تحقّقت، فالرجل الأعمى يستعيد بصرَه.
شُروح ٩: ٨-٣٤
إنّ شِفاء الرجل الأعمى يجعل الناسَ حقًّا يتعجّبون، ويُحاولون الحصول على بعض البصيرة والفِطنة في ذلك. على الرغم من أن الاستفساراتِ تتمركز، على ما يبدو، حولَ الرجل الذي وُلد أعمى، نرى أنّ التركيز في الواقع منصبٌّ على يسوعَ وهويّته. أوّلًا الجيران، ومن ثَمّ المتفرّجون يندهشون ببساطة ممّا حدث، عاجزين عن فهمه. والمعلّمون الذين كانوا الأقربَ إلى الناس كانوا من الفرّيسيين وإليهم توجّه الشعبُ للشرح والتفسير. إنّهم لم يلفتوا الانتباه إلى الأعجوبة بل إلى أنّ يسوعَ قد صنعها في يوم السبت، وهذا من وُجهة نظرهم نقضُ ناموس وشريعة موسى. ومع ذلك، تساءل البعض بدهاءٍ كيف حصل أنّ الله سمع يسوع، ووَفْق الاعتقاد السائد، لم يسمعِ الله صلواتِ الخُطاة. الرجل الذي نال الشِفاء كان موقنًا أنّ يسوع كان نبيّا.
إنّ أبسط حلّ، بطبيعة الحال، هو إنكار الأُعجوبة كلّها. ولهذا السبب ٱستُدعي والدا الرجل الذي كان ضريرًا واستُجْوبا في ما إذا كان ابنهما قد وُلد فِعلًا أعمى. وخوفًا من اليهود، اكتفيا بالحدّ الأدنى، وقالا أن نعم، كان ابنهما ضريرًا منذ الولادة، لكنّهما امتنعا عن الحديث عن أيّ أمر آخر. كان هناك احتمال أن يتِمّ إبعادُهما عنِ الكنيس لمدّة أسبوع، شهر، أو حتّى مدى الحياة. في الثالثة عشرة من العمر، اعتُبر الصبي اليهوديُّ قادرًا على التصرّف باستقلالية نيابةً عن نفسه. وفي إشارة إلى هذا، أعفى الوالدان نفسيهما من المسؤولية. وهكذا على الرجُل الذي كان ضريرًا سابقًا أن يسير قُدما.”أعطِ المجد لله“ هو طلب وقور ولا جدوى من الكذب، وبالتالي حماية الخاطئ. ومع ذلك، فإنّ الرجُلَ يسأل أكثرَ الأسئلة إحراجًا وإرباكا: إذا كان يسوع خاطئًا فلماذا يستمع الله إليه؟ وإذا كان الله يستمع إليه، فلماذا لا يعرف الفرّيسيون شيئًا عنه؟ إنّ هذه القضايا على جانب كبير من الصعوبة، لدرجة أنّ الفرّيسيين فضّوا النقاش بطرد الرجُل.
رجلٌ أعمى يُبصرُ، ويعْمى الذين يُبصرون ٩: ٣٥-٤١
حديثان مع يسوعَ المسيح يختتمان القِسم، واحد مع شخص مُبصر والآخر مع مكفوفين. إنّ موقفنا إزاءَ يسوع يُحدّد في ما إذا كانت لدينا الرؤيا الروحية أو العَمى الروحي.
اجتهد يسوع في البحث عن الرجل الذي طُرد. هنالك في إنجيل يوحنّا، بعض الاعترافات بالإيمان دون أيّة تحفّظات على الإطلاق. ويُمكن الآن سماعُ أحدِها من الرجُل الذي كان أعمى، إنّه يؤمن بأنّ يسوع المسيح هو ابن الإنسان، الديّان الآتي، وهو يسجُد له ويعبُده.
يُوجّه يسوعُ المسيحُ كلماتٍ قاسيةً إلى بعض الفرّيسيين الذين يقفون جانبًا. إنّ العمى الروحيَّ في حدّ ذاته سيّءٌ بما فيه الكفاية. إذا اعتقد شخصٌ ما اعتقادًا راسخًا بأنّهم بأنفسهم قادرون على الرؤية، فالوضع عندئذٍ سيكون مروِّعا صادما. وبعبارة أخرى، من السيّء بما فيه الكفاية، أن يرفُضوا مساعدَهُمُ الوحيدَ، ولكن علاوةً على ذلك، فإنّ الأكثرَ إثارةً للصدمة إذا ظنّوا حقًّا أنّهم ليسوا بحاجةٍ للمساعدة على الإطلاق. إنّ الفخر الروحيَّ أسوأُ شكلٍ من أشكال قساوة القلب، وللشعب في تلك الدولة، والمفاجأة الأكثر إثارةً للصدمة والفظاعة ستكون عندما يُظْهِر ابنُ الإنسان نفسَه قاضيًا ديّانًا على جميع الأرض.