إنجيل يوحنا اصحاح ١٧- صلاةُ يسوعَ المسيحِ الكهنوتيةُ العُليا
الأصحاح السابع عشر كان يُسمّى ”صلاة يسوع الكهنوتية العليا“ منذ زمن الكنيسة المبكّر (كيرلّس الأوّل، بابا الإسكندرية، ٣٧٦-٤٤٤م، الملقّب بعمود الدين ومِصباح الكنيسة الأرثوذكسية). تكمُن في خلفية هذا العنوان، حقيقة ذات صلة تقول إنّه خلال العهد القديم، كان على الكاهن تقديم الأضاحي إلى الله، بعد رفع الصلاة له. قبل أن قدّم يسوعُ نفسَه ذبيحةً لخطايا العالَم بأسره، صلّى لله من أجل تلاميذه ومن أجل الكنيسة برمّتها التي ستُترك وراءه.
يا أبي، مَجّد ٱبنَك ، ١٧: ١-٥
إنّ مهمّة تعليم يسوعَ المسيحِ العلني قد وصل إلى تمامه. هو على وشك أن يُواجه ما ستكون أكثرَ اللحظات مرارةً، وكذلك إكمال حياته - موته على الصليب من أجل خطايا العالَم والعودة إلى مجد الآب.
كان يسوع قد مُنح السلطة على جميع شعوب العالَم بحيث أنّه، في هذا العالَم المظلِم، يُمكن للخُطاة أن يجدوا فيه الطريقَ إلى مجد الله المقدّس. أُشعل النور وتمّ تمهيد الطريق. والذي جلب النورَ كان على وشك العودة إلى المجد الذي كان عنده قبل مجيئه إلى هذا العالَم.
إنّه جزءٌ من أعظم أعماق وأسرار الثالوث الأقدس، اقتراب الابن من الآب مُصليًا بتواضع ومُكرِمًا الآب، حتّى لو أنّه الله من الله.
صلاةٌ من أجلِ التلاميذ ١٧: ٦-١٩
بينما ينكَبّ يسوع على الصلاة من أجل خاصّته، فهو يصلّي أوّلا لتلاميذه، ولا سيّما مجايليه، مُعاصريه الذين عاشوا معه. وبعد ذلك فقط، يصلّي من أجلنا نحن الشُّركاء في الإيمان نفسه. من المهمّ أن ننتبه لذلك، حتّى لا ننسى الوضع الفعليَّ وتغليفه بملحمة لا معنى لها - وكان أعداء يسوعَ قد كوّنوا مجموعة تحمِل أسلحةً صلبة، سارت في طريقها لإلقاء القبض على الربّ . يجب وضعُ كلمات يسوع في سياقها، حيث كانت قِوى الجحيم على وشك إطلاق عِنانها. ومن وُِجهة النظر هذه، فإن لكلماته القوةَ التي ستلمسُنا أيضًا، في أكثر لحظات حياتنا صعوبةً ومحنة.
مَن هم تلاميذ المسيح؟ إنّهم أُناسٌ اختارهُمُ الله من العالَم وأعطاهم ليسوع. والابن قد علّمهم كلَّ ما قاله الآب له، وقد أتاح الله لهمُ تلقّي هذا التعليم وتذويته. وقد أدركوا أنّ يسوعَ كان مخلّصَ العالَم، والابن الذي أرسله الآب. ونور الله قد سطع وتوهّج في العالَم. غير أنّه بسبب هذا النور، لاقى الناس الذين ينتمون إلى يسوعَ مثلَ هذه الكراهية، لأنّ عالمَنا المظلم لا يرى شيئًا مُلحًّا سوى إطفاء نور الله وإخمادِه.
حتّى الآن كان يسوع يحمي خاصّته، والآن ها هو يغادر العالَم، يذهب إلى الآب، ويترُك ناسَه ليحفظَهُمُ الله. لا يمكن أن يؤخذوا من العالم ومن شُروره، ولكن يمكِن حفظهم من الشرّ الأوّل، وهذا هو استرحام يسوع. بعبارة أخرى، إنّه يصلّي من أجل أن يحفَظ الله أولئك الذين يتبعونه كتلاميذَ متواضعين للكلمة، الذين سيبقون بالتالي في مجد الآب والحقّ.
ماذا بخُصوصِ الكنيسة؟ ١٧: ٢٠-٢٦
الكلمات الأخيرةُ في صلاة يسوعَ لا تخُصّ تلاميذه فقط، ولكن تشمُل كلّ كنيسة المسيح، وكلّ الناس على مرّ العصور الذين يؤمنون بالكلمة التي حملها التلاميذ وينشرونها. يسوعُ يصلّي لأجل أمرين، أوّلا أن يكون أتباعُه ”واحدا، وحدة كاملة“، وثانيًا أن يكونوا معه هناك حيث الله.
إنّ صلاة الربّ من أجل خاصّته لتكونَ ”واحدة“ تنطوي على مشكلة خطيرة كانت قائمةً حتّى في زمن تدوين إنجيل يوحنّا. إنّ اللغة التي استخدمها يوحنّا تختلف عن لغة بولس، وكان لكلّ من يعقوب ومتّى أسلوبه الخاصّ في الكتابة أيضا. كان هناك توتّر وقلَق بين المسيحيين اليهود ومسيحيّي الأمم، وسُرعان ما ظهرت طوائفُ برية همجية، عمِلت على تشظّي وَحْدة الكنيسة. ولكنّ يسوعَ المسيح يصلّي كي يتمكّن كلّ أتباعِه من تكوين جسد واحد، يكونون "واحدًا"، كما أنّ الآبَ وٱلابنَ واحِد. على وجه الأرض توجد كنيسة واحدةٌ فقط، تلك التي أعدّها يسوعُ المسيحُ كعروسه. كلّ التشتّت والتصدّع بين المسيحيين ناجمٌ عنِ الناس، والخطيئة هي السبب في ذلك.
نرجو، أنّ قِسمي صلاة يسوعَ يجعلانا نطرَح بعض الأسئلة. أوّلًا، إذا كانت إرادة الله ومشيئتُه أن تكون هناك كنيسة واحدة فقط، فلماذا ثمّة لوثريون وكاثوليك وأرثوذكس ومَعمدانيون وخَمْسينيون، ناهيك عن المورْمون وشُهود يَهْوه، وغيرهم وغيرهم الكثير؟ هناك سبب واحدٌ فقط لوجود هذه الكم الهائل من الطوائف المسيحية، إنّها الخطيئة والارتداد عن حقيقة الله. ومع ذلك، لا تتحقّق الوَحدة الحقيقية من خلال مجرّد القضاء على الحدود الطائفية، ولا عن طريق قَبول كلّ شيء تقريبا. الوَحدة الحقيقية هي في المسيح وفي كلمته.
نحن نُدرك ونعي أنّ الكنيسة اللوثريةَ، ليستِ الكنيسة المقدّسة والرسولية الوحيدةَ التي نُعلنها في اعترافنا بالإيمان. ومع ذلك، فإنّنا نعتقد أنّه عندما تسعى كنائسنا اللوثريةُ لتُصبح راسخة متجذّرة في كلمة الله المدوّنة، والسماح لها لتصحيح آراءنا البشرية، وهكذا نكون عندها منخَرطين في أفضل عمل مسكونيّ ممكن.
ثانيًا، يسوعُ المسيحُ لا يصلّي من أجل أن يحصُل أتباعُه على منازلَ جميلة أو سيارات فاخرة، ولكن ليكونوا في النهاية جميعًا معه في مجد الآب. أخيرًا، كلّ شيء آخرَ سيُثبت أنّه غيرُ ذي جدوى بالنسبة لنا أيضا. في نهاية المطاف، إنّ الإيمان المسيحيَّ عبارةٌ عن شيء واحد: هل سينتهي بي المطاف إلى الجحيم بسبب خطاياي، أو أنّي سأحظى بالحياة الأبدية والخلاص من خلال النِّعمة التي منحَنا إيّاها يسوعُ المسيح.
صلاة يسوعَ المسيحِ الكهنوتيةُ العليا، تأخذ القارئ إلى أمور عميقة، ويُمكننا هنا في هذا العرض التطرّقُ إليها فقط. المكان الحقيقي لتعلّمها هو الشَّراكة مع الله. هناك يُعلّم المسيح اسمَ الله المقدّس لأولئك الذين كان قد علّمهم لمعرفته.
”لماذا لذلك على يسوعَ المسيحِ الاستمرارُ في تعليمنا اسمَ الله، وبعبارة أخرى، كينونته الحقيقية؟ لأنّ الحياة في الله ليست وجودًا راكدًا فاترًا بل حياة حقيقية غنية في الأحداث. وليست معرفة الله كذلك بمثابة مكان وصلناه، ولكن علينا مِرارًا وتكرارًا تعلّم الاعتراف بنفوذ الله في ظروفنا الجديدة، وغالبًا ما تكون صادمة. لذلك، إذا كان الأفضل تعلّم ذلك من خلال موت يسوعَ على الصليب، فلدينا داعٍ للتوقّع بأنّ يسوع سيعلّمُنا عن حبّ الله من خلال الأشياء، التي فيها سيكون العالَم قادرًا فقط على رؤية إمّا معاناة لا معنى لها، أو على الأكثر، كراهية الله. عندما كان يسوع ينتظر الصلْب، قال إنّه ”الحبّ ذاته الذي أحببتني“ سيبقى في المؤمنين. كأس الغضب الشديد قُدّمت ليسوعَ من قِبل أبيه المحبّ. إنّ محبّة الله، عندما يتلقّاها المؤمن ستبقى فيه أيضًا، كما أنّ المؤمن سوف يتعلّم المرّة تلوَ الأُخرى كيفيةَ العثور عليها ووضع ثقته فيها، حتّى عند ملاقاة الموت“. (يوكّا تَنِلي ثورين، ١٩٣٠-٢٠١٥، لاهوتي وفيلولوجي فنلندي، بروفيسور في أكاديمية توركو، له مؤلّفات كثيرة، معظمها بالفنلندية).