الله - يُخاف ويُحَبُّ
كيف يبدو الله؟ كيف يُمكنُك معرفةَ ما يُشبه الله؟
الطريقة الأكثرُ ٱنتشارًا للتفكير في مواضيعِ الإيمان قد تكون: ”نعم، إنّ اللهَ موجودٌ فِعلًا، ولكن لا نستطيعُ معرفةَ الكثير عنه - على الأقلّ لا يُمكننا التأكّد من ذلك - ولذلك لا فائدةَ من سَبْر هذه الأشياء.“
في هذا تلميحٌ للحقيقة. صحيح، لا قُدرةَ لنا على تعلُّم معرفة الله. إنّي لا أستطيعُ أن أتذكّر سوى أُمورٍ قليلة فقط، دورة سرّ التثبيت (للمناولة الأولى، أوّل قُربانة) التي ٱشتركتُ فيها. أحدُ تلك الأمور التي تعلّمتُها، كان أنّ الله يُخفي نفسَه، الله غير مرئيّّ. وهذا يعني أنّ الله ليس في مُتناول أيدينا؛ يُمكنُنا أن ننظُر إلى السماء المرصّعة بالنجوم في ليلة مكسوّة بالصقيع، وأن نُدركَ أن اللهَ موجودٌ، وأنّه موجودٌ في مكانٍ ما، إلّا أنّنا لا نقدِر على الوصول إليه - لا يُمكننا رؤيته أو الإمساك به بأفكارنا.
بوُسْع الإنسان أن يستمرَّ في تخمين أشياءَ عنِ الله، ونحنُ، في الواقع، أذكياءُ جدًا في هذا الصدد. والعالَم مليءٌ بالأديان والآراء الدينية. ولكن إذا أردنا أن نقولَ شيئًا ما فقط عن الله لقُلنا ”هذه هي الطريقةُ التي فكرّت فيها“ أو ”هذا ما قاله المفكِّر الفلاني العلّاني العظيم“، مجرّد افتراضات - تخمينات عن شيءٍ لم نرَه، ولا نعرف عنه شيئًا. قد تكون في تلك الأقوال بعضُ الحقيقة الطفيفة، ولكن في العديد منَ الحالات تكون الأمورُ التي قيلت عن الله خاطئة ومضللةً تمامًا. لا فائدةَ تُرجى منَ الذهاب إلى مكتبة لبيع الكتب، بغيةَ شراء كتاب عن أفكار بعض المفكّرين الكِبار، من أجل البحث عن الله في كتاباتهم. ومع هذا كثيرون من الناس يقومون بذلك، ولكن هذه ليست الطريقةَ لمعرفة الله.
صحيحٌ أنّ اللهَ غيرُ مرئيّ، وصحيح أيضًا أنّنا نستطيع أن نعرفَ الله. يُمكننا أن نعرفَه جيّدًا حتّى نعرِف حقًا في ما إذا كان يُحبّنا، يديننا، وإذا كان مهتمًّا معتنيًا بنا وبشؤوننا. وبمقدورنا كذلك معرفة الله جيدًا، لدرجة إقامة علاقة وثيقة معه - قريبة جدًا بحيثُ نستطيع أن نقول ”أنا أعرِفُه، وأنا أنتمي إليه“. كيف يجوزُ ذلك؟ الجواب على هذا هو كلِمة الله. إنّ اللهَ يبعَثُ كلمتَه من مكان لا نستطيع بلوغَه من خلال نظرتنا المُحدّقة أو أفكارنا، ويبدأ في الحديث من خلال كلمته، يحكي عن نفسه، وهكذا يكشِف لنا كيانَه غيرَ المرئيّ.
هذا ما فعله الله. لقد أرسل كلمتَه من حيثُ لا نستطيع أن نرى. هذا يعني أمريْن:
أولاً، أنّ الله أعطانا كتابًا. نحن نؤمِن - كما ٱعتقد المسيحيون دائمًا - أنّ الكتاب المقدّسَ هو كلمة الله، وأن اللهَ ٱختار أشخاصًا معيّنين وكلّفهم بتدوين ما يريدُ قولَه عن نفسه لجميع البشر في العالَم أجمع. ويُخبرنا الكتاب المقدّس بما فعله اللهُ في مواقفَ وظروفٍ مختلفة، ما طلب من الناس فعلَه، وكيف أحبّ، وما شجب وأدان، وما علّمه رجالُ ونساء الله عن الله. في كل هذا، يكشِف الله لنا أشياءَ عن نفسه لكي نعرفَه ونقترِب منه. وفي الكتاب المقدّس، الله نفسه - الذي يعرِف ذاتَه - يتحدّث إلينا، نحن الذين لا حولَ ولا قوّة لدينا لمعرفته.
ثانياً، إنّ الحقيقةَ بأنّ اللهَ أرسل كلمتَه، تعني أنّ الله نفسَه، في كلمته قد أتى إلى هذا العالَم. وقد حدث ذلك حينما جاء يسوع ُ المسيحُ إلى هنا. يقول إنجيلُ البشيرِ يوحنّا عن يسوعَ المسيحِ أنّه كلمةُ الله والله نفسه. معنى ”كلمة الله“، إنّ كلَّ ما يودُّ الله قولَه لنا عن نفسه هو يسوعُ المسيح. ”الله نفسه“ يعني أنّ الإلهَ الخفيَّ غيرَ المرئيّ في مكان ناءٍ، أصبح مرئيًا في ٱبنه وجاء وعاش بين الناس.
ذات مرّة، طلب فيلُبُّس، أحدُ التلاميذ الإثني عشرَ، من يسوعَ المسيحِ أن يُريهمُ الآبَ الإله، وماذا أجاب يسوع؟ ”أنا معكم زمانًا هذه مدّتُه ولم تعْرِفني يا فيلُبُّسَ الذي رآني فقد رأى ٱلآبَ، فكيف تقولُ أنتَ: أرِنا ٱلآبَ“. (يوحنا ١٤: ٩). أُنظر إلى يسوعَ فترى اللهَ ولن ترى سواه. تعلَّم أن تعرِف يسوعَ المسيحَ بنحو أعمقَ وأعمقَ، وأنّك ستعرف الله الحقيقيَ الوحيد. إسأل كيف أحبّ يسوعُ المسيحُ، وستعرف كيف يُحبّ الله. فكِّر فيما إذا كانت هناك أشياء حكَم عليها يسوعُ المسيحُ، أو أشخاص حكمَ عليهم، فعندَها ستعرِف في ما إذا كان الله يحكُم. فكِّر بمَن كان يسوعُ المسيحُ مهتمًّا، فتعرف ما إذا كان الله مهتمًا ومعنيًّا بك.
يُعلِّمنا الكتاب المقدّسُ التعرّفَ على يسوعَ المسيحِ. ويتمَحوَر كلُّ الكتاب المقدّسُ حولَه، وهدفه أن نتعلَّم كيف نتعرّف عليه. وهذا ينطبق على العهد القديم أيضًا. ويسوعُ المسيحُ الذي نجدِه في الكتاب المقدّس هو وحده يسوع الحقيقيّ - الذي فيه يُظهِر الإله غيرُ المرئيّ نفسَه.
إنّ الكتاب المقدَّسَ هو وسيلتُنا الوحيدة لتعلّم معرفة الله. إنّ التجوالَ في الطبيعة والتأمّلَ، لن يُساعدا إن لم تقرأْ كلمة الله. قلّما يقرأ الناس الكتاب المقدّسَ. كما يتناقصُ تدريسُها بشكل متزايد. ويتمُّ تجاهلُ ما يقوله إلى حدّ كبير؛ يعلوه الغبارُ أكثر فأكثر على رفوف الكتب. وهنالك الكثيرون الذين يقولون إنّنا لسنا بحاجةٍ إلى إِزعاج أنفسِنا وإرباكِها بشأن الكتاب المقدّس - حيث يسرُد الناس فيه تجاربَهم حول الله، ولا قيمةَ لها أكثر من شيء آخرَ مكتوبٍ عن الله. أو يقولون إنّهم يُؤمنون بنوعٍ آخرَ مختلفٍ عنِ الإله المتحدَّث عنه في الكتاب المقدّس. لذلك، يحاول الله أن يُخبرنا عن نفسه، لكنّنا نصَمُّ آذانَنا ونتجاهل كلامَه. إذا قُمنا بذلك، فلن نتعلّم معرفة الله. يُمكننا أن نجرّب أو نمتحِن هذا التخمينَ أو ذاك بخصوص الله، إلّا أنّ ذلك مجرّد تخمينات وتكَهُّنات لا غير. أُسلُك بشكل مختلف عنِ الآخرين الكثيرين؛ إقرأِ الكتابَ المقدّس؛ استمع لما يقوله عنِ الله بٱهتمام وعناية؛ ثم آمِن بما يقوله.
الكتاب المقدّس هو كلمة الله، وهذا لا يعني فقط أنّ الكتاب المقدّسَ يمُدُّنا بمعلوماتٍ جديرة بالثِّقة عنِ الله. إنّ الكتاب المقدّسَ أروعُ من ذلك وأبهى؛ إنّ الله كائنٌ في الكلمة الواردة في الكتاب المقدّس. في تلك الكلمة - حينما تقرأها أو تسمعُها أثناءَ تدريسِها - يأتي إليك. وفي تلك الكلمة يتحدّث إليك ويعلّمك أن تعرفَه. تقدّم وٱدخُل إلى كلمة الله مِرارَا وتَكرارا، وبهذه الوسيلة سيأتي الله إليك؛ يأتيك ليعلََّّمك، وستستطعُ القول ”إنّي أعرفُه“.
”أُثبِت أنّ اللهَ يتكلّم في الكتاب المقدّس الذي يعلِّمُنا أن نعرف الله!“ وهذا ما يُطلب من المسيحيّ أحيانا. ما هو جوابُنا؟ لا نستطيعُ أن نُبرهن ذلك، ولكن، من جهة ثانية، لا يُمكن إثباتُ أنَّ الكتاب المقدّسَ ليس كلمةَ الله. إنّنا لا نستطيعُ تقديمَ الحِجج التي قد تضَع حدًّا لاعتراضات الجميع وتجعَل الجميعَ يؤمنون بالكتاب المقدّس. ومع ذلك، هنالك هذه الحجّة المقْنعة: قال يسوعُ المسيح لأولئك الذين كانوا يُشكّكون في كونه ابنَ الله: ”إنْ شاء أحدٌ أن يعمل مشيئَتَه يعرِفُ التعليم، هل هو من الله، أم أتكلّمُ أنا من نفسي“ (يوحنّا ٧: ١٧). وينطبق الشيء نفسُه هنا، إذا كنتَ تقرأ الكتاب المقدّسَ وتستمع إليه لتكتشفَ أهو من عند الله حقًّا أم لا، فإن الكتاب المقدّسَ نفسَه سيُقنعُك بأن المتكلِّمَ هو الله. إنّ اللهَ نفسَه في كلمة الكتاب المقدّس، يعمَل ويُقنعُنا أنّها كلمتُه.
يُمكنُكَ أن تقول لأيّ شخص يشُكّ في الكتاب المقدّس: ”هل لديك الشجاعة لبدء قراءة هذا الكتاب؟ وقريبًا جدًّا، قد تقتنعُ بأنّ اللهَ يكشِف عن نفسه لك في هذا الكتاب.“ هذا ما حدث، على سبيل المثال، لمخرِج الفيلم عن يسوعَ المسيح. في بداية العمل، كان متشكّكًا جدًا في الكتاب المقدّس؛ درس الكتاب المقدَّسَ بشكل مكثّف من أجل إعداد الفيلم، وقبل الانتهاء من إعداد الفيلم، غرسَ الله فيه الإيمانَ بأنّ اللهَ يتكلّم من خلال هذا الكتاب.
هل هذه الأمور مهمّة؟ هل منَ المهمّ معرفة ما إذا كان الله يُحِبّني ويعتني بي؟ نعم، بالتأكيد. في الواقع، لا شيءَ ذا أهميّة كأهميّة معرفة الله. إنّ معرفةَ الله أهمُّ شيء لسببين.
أوّلاً، إن الإنسانَ قد خُلِق/جُبِل على صورة الله، وهذا يعني أنّك من المفترَض أن تحيا بطريقة تجعل علاقتك معَ الله على ما يُرام. ولا يُمكن أن تكون كذلك إذا كنت لا تعرِف الله. وإذا كنت تعيش بشكل مختلفٍ، عن الطريقة التي من المفترض أن تحياها، فستتمخّضُ عن ذلك أنواعٌ كثيرة من الأمور السيّئة. قد تبدو الحياة بطريقة ما عديمة الجدوى. أو سيدُبّ القلق والأرق في قلبك ولا تفسيرَ لهما، فتحاول التهدئة وتلطيف الوضع بالقيام ببعض الرحلات إلى خارج البلاد أو بٱقتناء سيارة فاخرة أكثرَ. ”إنّ قلب الإنسان لا يهدأ حتّى يجِدَ راحةً في الله.“ هذا ما كتبه أب الكنيسة أوغسطين منذ زمن طويل ولا يزال صحيحا. إنّي على يقين من أنّ طاعون الأرَق الذي يصيبُ الكثيرين اليومَ نابعٌ بالضبط من الحقيقة أن الأمور مع الله لا تسير كما يُرام. وللأسف عند محاولة إيجاد السلام في قلوبهم، لا يبحَث الكثيرون من الناس عن المكان الذي يُمكن العثور عليه فيه. إنّك تجدهُ في معرفة الله. حتّى المؤمنين يُمكنُهم بيُسر البدءُ في التقليل بطريقةٍ ما من أهمية علاقتهم بالله، والبدء أكثر فأكثر في البحث عن تحقيق شيء آخرَ في حياتهم، وعندما يحدُث هذا ييتبخّر معنى الحياة.
ثمّ هنالك سبب أهمُّ حتّى بخصوص أهمية هذه الأمور لهذا الحدّ: إنّ الأبدية تبدأ بعد هذه الحياة. إنّ ما سيحدُث لي في الآخرة، يعتمد فقط على ما إذا كانت هناك عَلاقة أوِ ٱرتباط بيني وبين الله، وفي ما إذا كانت على ما يُرام. وهذه العَلاقة تكون على ما يُرام من خلال معرفتي لله فحسب. وإذا كانتِ العلاقة سليمةً، فإنّ الله سيفتح باب السماء لي وإلّا فسأكونُ منفصلاً منعزلًا عنِ الله إلى الأبد. ولا شيءَ أرهبَ من النهاية في الخطيئة المميتة؛ وبالتالي، لا يوجد شيءٌ مهمّ كأهمية معرفة الله.
ثم نطرَح السؤال: كيف يبدو الله؟
إنّنا لا نعرِف ولا نفهَم كلَّ شيء عنِ الله. إنّه يعمَل أحيانًا بطُرق وأساليبَ تفاجئُنا أو حتّى تُسيء إلينا وتُهينُنا. أو، لدينا رؤيا عن الله لم نفكِّر فيها حتّى ولو قرأنا كتابَنا المقدّس. وقد تبيّن أنّ الله مختلفٌ عمّا تخيّلنا وتصوّرنا. وعندنا بعضُ الأسئلة عنِ الله ونودّ أن نحصُل على إجابات عنها، إلّا أنّ اللهَ لا يُجيب. نحن لا نفهَم كلَّ شيء عن الله، ولكنّه يُخبرنا في الكتاب المقدّس، على الأقل، عنِ الأشياء التي نحن بحاجةٍ لمعرفتها، وهو يقوم بذلك بوضوحٍ شديد، بحيثُ لن يبقى أحدٌ في حيرة من أمره.
كيف يبدو الله؟ إنّه حقًا مُذهل. إنّه مُدهش في قوتّه وحِكمته ومجْده، يحكُم الكونَ برُمّته. هنالك مَزمور يتحدّث عنِ السماء البديعة بالنجوم وكيف أنّ اللهَ أروعُ منها. يجِبُ أن يكون الله هكذا، وإلا لما ٱستطاع أن يُنجزَ كلَّ هذا مُتماسكا. إنّ الله الذي يملِك كلَّ شيء في يديه - العالم كلّه - هو إلهٌ عظيم. وعندَ الحديث عن عَظَمة الله، نرى أنّ الكتاب المقدّسَ يذكُر أيضًا أن ّهذا الإلهَ العظيمَ يهتَمُّ بكلّ فرد على هذا الكوكب الصغير في هذا الكون. إنّ ما يحدُث لفردٍ ما في هذه الدنيا، يعني الكثيرَ للخالق، الله. الله مهتمٌ ويكترثُ بقضايا وشؤون كلّ فرد. ويسوعُ المسيحُ يُبيِّنُ أنّ هذا هو ما يُشبِه الله. لقد لاحظ يسوعُ المسيحُ الأفراد؛ توقّف وتحدّث إلى شخص واحد، على الرغم من أنّه كان مُحاطًا بمئاتِ وآلاف الآخرين. هذا بالضبْط ما يفعلُه الله. أنت هامّ جدًا لإلهنا العظيم، لدرجة أنّه معنيٌّ بك كثيرًا لدرجة أنّه يأتيك، يتوقّف قُبالتَك، يكلِّمُك ويستمعُ لك ولمشاكلك ويريدُ أن يكون معك.
قد يكون تصديقُ ذلك صعبًا- حيثُ هنالك مِليارات الأشخاص في العالَم. سواء صدّقتم أم لا، فهذا صحيح؛ إنّ ذلك مُمكن لإلهنا العظيم. وهذا أمرٌ رائع للغاية: إنّ اللهَ يهتمُّ بي حقًا، إنّه يعرِف هُمومي ومخاوفي. ومن ناحية أخرى، إنه أمر جِدُّ خطير: يستطيع اللهُ أن يراني أينَما كنتُ. ببساطة، لا توجد وسيلةٌ للهروب منَ الله. لا يُمكنني أنْ أُخفي نفسي بين حُشود منَ البشر. حتّى هناك، بمقدور الله أن يجِدَني.
في الأصحاح السادس من سِفْر النبيّ إشْعياء، يتحدّث النبيُّ عن تجربته المذْهلة: إنّه لاقى الله. وقد أدرك إشْعياءُ أمامَ الله ذلك التناقض العميقَ بينَه وبين الله. هو رجُل خاطئ، والله طاهرٌ قدّوس. وبإدراكه ذلك قال إشْعياء: ”ويلٌ لي! إنّي هلَكْتُ“ (٦: ٥). هكذا يُشَبَّه الله. إنه قدّوس. ولعلّكم تتذكّرون من كتابكُمُ المقدَّسِ تلك المرأة، التي وقعت في الزنا وجُرّت إلى قُدّام يسوعَ المسيح. وقد فهمتِ المرأةُ أنّها الآنَ أمامَ الله القُدّوس. وعلِمت أنّها تستحقُّ دينونةَ الله بسبب حياتها. سقطت وٱنتظرتِ الحُكم، كانت على حقّ تمامًا، إنّ اللهَ يكرَه الخطيئة - يكرهُها حقًا وبشكلٍ كامل. لقد كرِه ما فعلَتْه المرأة. وبنفس الطريقة، يكرَه الله إذا تفوّهتَ بفظاظة إلى زميلك في العمل، أو كنتَ غيرَ مؤدَّب مع جارك، أو أنّك خدعت وٱحتلتَ عند تعبئة التقرير الضريبي الخاصّ بك. إنّ اللهَ لن يقبَل الخطيئة البتّة. إنّه مقَدّس وعليه فيُطالب بعقوبة على الخطيئة. لقد أخطأتَ تمامًا كما فعلت أنا، وبالتالي تستحقّ دينونةَ الله.
هل نالتِ المرأة التي ٱقتيدَت إلى يسوعَ المسيح ما تستحقُّه؟ كلّا، إنّها لم تنَل. لقد عاملَها يسوعُ المسيحُ بشكل مختلَفٍ عنِ المألوف. إنّه لم يحكُم عليها، رغم أنّها تستحقّ ذلك. لقد أحبّها وغفر لها. وكانت عندَه القُدرة على القيام بذلك، لأنه على الصليب، قدّم الكفّارة على جميع ذُنوب كلّ البشَر. بهذا الشكل يُعاملك الله أيضا. لن يحاكمَك، حتّى لو كنت مستحقًّا الحكم، إنّه يرحمُك؛ هكذا يتصرّف الله الآن، لكنّه في يومٍ منَ الأيام سيكون القاضي. ولكن الآنَ، نحن نعيش في زمن النِّعمة. الآن يغفِر جميعَ الذنوب والآثام ويمنَح الحياة الأبدية.
بموت ٱبنه كفَّر اللهُ عن غضبه الشديد الذي يقعُ على كلّ ٱثم. ولهذا يُحبُّك الله بالرغم من خطاياك وآثامِك. إنّه يُحبّك كثيرًا لدرجة الاهتمام والعناية بك، ويُريدك معه في السماء.
ما هو خوف الله؟ إنّه إدراكُ عظَمتِه، وأنّه عظيمٌ لدرجة أنّني لا أستطيعُ التفكيرَ فيه على أنّه شخص زميلٍ متساوٍ لي. وأنا نفسي أكون بالكاد أيّ شيء بالمقارنة مع الإله العظيم. كما أنّ آرائي وأفكاري لا تُساوي شيئًا بجِوار كلمته. كلّ من يُقدِّر هذا، يُكرم اللهَ في حدّ ذاته، يُصغي بٱحتراس لما يقوله ويرغَب في أن يُطيعَه.
كما أنّ الخوفَ من الله يعني استيعابي بأنّني أعتمدُ كليًّا على الله العظيم. إنّ حياتي كلَّها تستندُ على ما سيُعطيني إيّاه الله - هل سيمنحُني خبزيَ اليوميَّ والصحّة والغد. ويتوقّف خلاصي كلُّه على ما إذا كان الله يرحمُني. لذلك، لا أجرؤُ على إغاظة الله، فإذا أغظتُه ورفضني، فستتّخذ الأمورُ يقينًا منعطفًا رديئًا بالنسبة لي في كلّ شيء. إنّ تجاهلَه وغضَّ الطرْف عن كلمته هو ما يكرَهُه الله. إنّي لا أتجاسرُ على العيش مُتجاهلًا اللهَ ومشيئتَه، لأنّ ذلك سيُغيظُ اللهَ القدّوس. ويُدعى هذا الخوفُ بخوف الله.
إذَن ما هي محبّة الله؟ إنّها إدراكُ مدى حُسن الله وطيبته لي بنحوٍ لا يُصدَّق؛ إنّه يعتني بي؛ لن يحكُم عليّ على الرغم من أنّني ٱستحقُّ المحاكَمة. سيمنحُني الحياة الأبديةَ، مع أنّني ينبغي أن أُرسل إلى اللعنة الأبدية، الخطيئة المميتة. إن إستخلاصَ هذا يخلُق فيّ حبًا لله الذي يعاملُني بصورة ممتازة لا تصدّق. إذا كنتُ أُحِبُّ شخصًا ما، فأنا أنوي إرضاءَه والعيش بالقُرب منه وخدمته. وهكذا أكون مع الله إذا كنتُ أُحِبُّه حقّا.
إنّ كلا الأمرين هما علاقتنا بالله. إنّها مخافةُ الله: إدراك عظمة الله وأنّي أعتمدُ كليًّا عليه، وبالتالي لا أَجرؤ على إغضابه. وهي محبة الله أيضا: فهم مدى صلاح الله ورحمته.